التصالح في قضايا الابتزاز لا يُحبذ مطلقاً حتى لا نساعد على إفلات المبتز الالكتروني من جريمة الابتزاز والتي زادت بكثرة هذه الأيام. حيث يعيش المجتمع حاليًا فترة تعد من أزهى عصور التطور التقني. وعلى الرغم من الفوائد التي لا حصر لها من هذا التقدم التكنولوجي إلا أن هذا أيضًا يضعنا تجاه تحديات أخرى سلبية من نوع جديد يعد هو الأشرس.
ومن بين هذه التحديات نعد الابتزاز الإلكتروني الذي أصبح يشكل تهديدًا حقيقيًا لحياة الأفراد وأمنهم الرقمي. وهذا التهديد يثير سؤالا مهما وهو ” هل يمكن أن يحصل المبتز الإلكتروني على البراءة ؟” وفي حين كان الجواب الصحيح هو نعم فلماذا إذن وما هي الأشياء التي تحول دون ذلك.
وهذا السؤال يعتبر من الأسئلة الجوهرية التي تفيد في تقييم مدى قدرة التشريعات والقوانين المعمول بها على مواجهة الجرائم الإلكترونية وبيان ما إذا كانت هناك حاجة ماسة لإعادة تدقيق النظر إليها في سبيل تحقيق العدالة. ومن خلال هذا المقال سوف نستعرض أهم الأسباب التي تساعد المجرم في الحصول على براءة غير مستحقة وكيفية التصرف الصحيح لمواجهة هذا النوع المستحدث من الجرائم بفعالية.
هل يوجد فرق بين التهديد والابتزاز
قد يبدو للوهلة الأولى أن لا فرق بين الابتزاز والتهديد ولكن في حقيقة الأمر هناك فرق بين كلًا المفهومين. إذ يشير التهديد إلى انذار شخص باحتمال إلحاق الأذى بآخر بهدف ترغيبه في القيام بفعل معين أو ترهيبه من القيام به. بينما الابتزاز فهو تعبير واضح عن استعمال القوة في اقتراف أفعال ضارة والقدرة على إفشاء الخبايا والأسرار لإجبار الضحية على دفع مبالغ مالية أو تلبية خدمات أخرى مقابل الصمت.
شروط جريمة الابتزاز
تعد جريمة الابتزاز من الجرائم شديدة الخطورة حيث يتعرض الضحية للتهديد بإلحاق الضرر به أو بالنيل منه أو بمصالحه في حال امتنع عن الاستجابة لمطالب المبتز والخضوع له.
وعلى الرغم من اختلاف الدول المختلفة حول وضع تصنيف أو تعريف لجريمة الابتزاز ووضع التشريعات اللازمة لمكافحتها إلا أنه بصفة عامة، يمكن تحديد الأركان الأساسية لجريمة الابتزاز على النحو التالي:
- التهديد والترهيب: ويتضمن هذا تخويف الضحية وتهديده باقتراف أفعال تُؤذيه وتضر بمصالحه، سواء كان ذلك التهديد صريحًا أو ضمنيًا.
- طلب منفعة: يتطلب أمر اقتراف جريمة الابتزاز الإلكتروني مطالبة المجرم المبتز الضحية بتلبية خدمة أو الاقبال على فعل أو الامتناع عن فعل أو تقديم المال كشرط أساسي مقابل الامتناع عن الكشف عن سر أو الإفصاح بمعلومات ذات طبيعة حساسة نهائيًا أو لفترة محددة.
- توافر القصد الجنائي: يتعين توافر النية الجنائية والقصد المتعمد لدى الجاني عند اقتراف جريمة الابتزاز بمعنى أن يمارس تهديد ضحاياه ويطالبهم بالمنافع المنشودة بطريقة واضحة تشير إلى قصده الخبيث وتفصح عن نواياه الدنيئة.
- الإجبار: يجب تتسبب ممارسة الجاني في تقييد الإرادة الحرة المجني عليه بحيث تصبح إرادة الضحية محدودة نتيجة التخويف والترهيب من المخاطر المحتملة بالكيفية التي تجعلها تتأثر عند الإقبال على فعل بعينه أو الامتناع عنه أو اتخاذ قرارات مستقلة بمعزل عن ما يمارسه المجرم من ضغوط.
وفي النهاية يجدر الإشارة إلى أنه من اللازم التأكد من توافر جميع الأركان سالفة الذكر للحكم على فعل ما يشتبه به أنه محاولة ابتزاز اتخاذ التدابير القانونية المعمول بها في هذه الحالة ضد المجرم. ويمكن القول أن جزاء جريمة الابتزاز الإلكتروني قد يختلف باختلاف الدول اعتمادًا على القوانين السارية والتشريعات المحلية المعمول بها ومختلف ملابسات ومخاطر ودوافع الجريمة.
إفلات المبتز الإلكتروني من العقاب هل ممكن
هل وجود المبتز خارج الدولة يُبعد عنه العقوبة؟ إن إفلات المجرم الإلكتروني من تلقي العقوبة على جريمته لا يعد أمرًا مستحيلًا. ولكنه يستند إلى مجموعة عوامل مختلفة منها قوانين البلدان والأنظمة القضائية وقدرة ونفوذ السلطات المختصة فيما يخص تحديد هوية المجرم. بالإضافة إلى تتبع الجرم والتحقيق في الجريمة الإلكترونية والكشف عن أبعادها لتقديمها لأيدي العدالة ومتابعة الإجراءات القانونية.
ففي الغالب يحدث التحقيق في جرائم الابتزاز من قِبَل الجهات المختصة مثل أجهزة الشرطة وغيرها من الجهات القانونية والحكومية المعنية بمكافحة جرائم الابتزاز. إلا أن الأمر يستلزم التعاون والتكاتف بين مختلف الدول من أجل تقديم الدعم اللازم للسيطرة الكاملة على الوضع مهما بلغ تعقيده متجاوزين بذلك اختلاف الإجراءات والتشريعات القانونية بين مختلف الدول.
العوامل المساهمة في إفلات المبتز من العقاب
وبصفة عامة يمكن القول أن إفلات المجرم المبتز الإلكتروني من عقوبته أمر وارد الحدوث في بعض الحالات، اعتمادًا على مجموعة من العوامل، لعلنا نذكر من بينها الآتي:
غياب التعاون الدولي
أن يكون المبتز مستقرا في أحد الدول التي لا يوجد بينها وبين دولة الضحية اتفاق على تسليم المجرمين أو تقديم المساعدة اللازمة في مثل هذا النوع من قضايا الابتزاز الالكتروني مما يصعب مهمة تحقيق العدالة والقيام بالملاحقة القانونية الفعالة.
ضعف التشريعات والقوانين الصارمة
من المتوقع أن تفتقر بعض الدول لوجود قوانين صارمة تتسم بالفعالية في مكافحة الجرائم الإلكترونية ومعاقبة الجناة عقوبات رادعة تحد من انتشار الجريمة واستسهال القيام بها والإفلات من العقاب.
غياب الأدلة القوية
تصنف جرائم الابتزاز الإلكتروني كونها من أكثر أنماط الجرائم الإلكترونية صعوبة من حيث جمع دلائل الإتهام الكافية والاثباتات القوية ضد المجرم لإثبات الواقعة عليه.
ومع هذا فإنه من الضروري العمل باستمرار على تطوير وتحديث التشريعات والقوانين بهدف مواجهة التحديات المتزايدة. بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين مختلف الدول والهيئات في تبادل ومشاركة المعلومات لتكثيف جهود مكافحة الجرائم الإلكترونية ومعاقبة المجرمين على أفعالهم الإجرامية ومن ثم خلق مجتمع افتراضي آمن.
وبصفة عامة، يتطلب أمر تتبع المجرم وتقديمه للمحاكمة تعاون جاد بين مختلف الجهات القانونية في شتى الدول بهدف توفير المعلومات والدلائل الكافية لطرح القضية في ساحة المحكمة وفرض العقوبة المستحقة على الجاني طبقًا لما ورد في القانون.
أهمية وجود محامي قضايا ابتزاز متخصص معك
إن وجود محامي ابتزاز متخصص بجانب الضحية يعد شيئا ضروريًا لا يمكن إغفاله لأسباب عديدة من بينها:
- تولي مسؤولية الدفاع عن حقوقك بوصفك موكله وضمان تحقيق العدالة وحصولك على جميع حقوقك وخدمة مصالحك نظرًا لامتلاكه المعرفة القانونية والخبرة التي تؤهله لتقديم المشورة القانونية الملائمة لك والتصرف السليم.
- يساعد محامي الابتزاز المتخصص موكله في فهم الخطوات والإجراءات والخيارات القانونية المناسبة لحالته والقيام بتوجيهه في المواقف المختلفة للسيطرة الكاملة على الابتزاز.
- يقوم المحامي بإعداد وتقديم المستندات القانونية والدعاوى القضائية بالنيابة عن موكله وتمثيله أمام المحكمة بالإضافة إلى التعامل مع مختلف الإجراءات نيابة عنه لإفساح المجال أمامه للتفرغ لمسؤولياته والقيام بمهامه الطبيعية والارتياح من الضغط .
- تقديم الدعم النفسي للضحية وتخفيف مشاعر التوتر التي تواجهه خلال الرحلة القانونية وطمأنته بالحصول على كامل حقوقه.
في الختام يمكن القول أن وجود محامي الابتزاز المتخصص يوفر الدعم للضحية ويمنحه الثقة والطمأنينة في معركته مع المبتز ويضمن له الحصول على كامل مصالحه والتمتع بالعدالة المستحقة.
هل يجوز التصالح في قضايا الابتزاز
التصالح بين المجرم والضحية في قضايا الابتزاز لا يعد من الأمور المحبذة وذلك لأن الابتزاز بالأساس هو أمر يستهدف الضرر وإلحاق الأذى وفضح الأسرار وكشف الخبايا. ومن ثم فإنه يعد من التصرفات الغير أخلاقية قبل أن يعد ضمن الأمور التي تخترق القانون. لذلك لا يجب تهاون المتعرضين للابتزاز في مواجهة الجرم. والتوجه لإبلاغ السلطات المختصة عنه فورًا دون تردد أو إبداء رغبة في خضوع أو تصالح يحول دون نيل المذنب العقوبة المستحقة.
علاوة على هذا، فإن المبادرة إلى التصالح مع مجرمي الابتزاز من شأنها تعزيز السلوكيات الإجرامية وتشجيع المجرمين على الاستمرار والتمادي في التصرفات السلبية. لذلك، فإنه من الأصول اتخاذ التدابير القانونية اللازمة في محاولة للحد من تلك الأفعال المؤذية.
فمن المهم والمنطقي في هذا الشأن تشجيع الضحايا على التبليغ وتوفير الدعم اللازم لهم لمحاربة هذه الأوضاع المرهقة والتغلب عليها والانتصار أمام المجتمع.
وفي النهاية،يظل أمر حصول مجرمي الابتزاز الإلكتروني على البراءة من الأمور المثيرة للجدل التي تكثر التساؤلات حولها. فعلى الرغم مما يتطلبه التطور التقني والانتشار المتسارع للجرائم الإلكترونية إلى ضرورة العمل بحزم على الحد من انتشار الجرم وسرعة القضاء عليه، إلا أن النجاح في الإمساك بدلائل الإدانة يظل من الأمور العسيرة.
ففي عصر التطور يتجه المجرمون الالكترونيون إلى استخدام طرق مبتكرة صعبة الإمساك إلى جانب غياب التعاون الدولي. مما يجعل القوانين والتشريعات المحلية والدولية تقف عاجزة أمام معاقبة مجرمي الابتزاز الإلكتروني ومنحهم البراءة على طبق من ذهب. مما يفرض على السلطات المختصة المحلية والدولية التعاون والتنسيق فيما بينها لتحسين آليات مكافحة الجرائم الإلكترونية. مع توفير سبل الإمساك بالدلائل القوية للإيقاع بالمذنبين ومعاقبتهم وحماية الأشخاص الحقيقية والاعتبارية من تداعياتها السلبية.
تم التحديث في 3 سبتمبر، 2024 بواسطة بصمة أمان للأمن السيبراني