دوافع القرصنة الإلكترونية مختلفة ومتنوعة، ففي العصر الرقمي الذي نعيش في رحابه اليوم يمكن اعتبار شبكة الإنترنت من الساحات المفتوحة على مصراعيها لتشهد العديد من الصراعات القائمة بين مختلف أطراف المستخدمين ويعد القراصنة الإلكترونيين من بين هؤلاء الأطراف.
ويمكن القول أن القرصنة الإلكترونية جرم وفن في الوقت نفسه حيث يتطلب العلم والمعرفة لتنفيذ استراتيجيات الاختراق الرقمي وكسر الأنظمة والحصول على البيانات الحساسة. بالإضافة إلى أنه على عكس التوقعات يعتبر فن ورسالة أخلاقية تستهدف اختبار أمان الأنظمة المختلفة وتعكس الثغرات الأمنية الموجودة. فتكون بمثابة ناقوس الخطر الذي ينذر بضرورة بلورة حلول عملية وقوية في مواجهة ظاهرة التعدي والاختراق.
ومن هذا المنطلق، علينا إدراك مدى أهمية عملية تعزيز الوعي الإلكتروني وتثقيف المواطنين من المستخدمين بتداعيات التعرض لهجمة إلكترونية من شأنها التأثير سلبًا عليهم.
ومن ثم تستوجب التعاون فيما بين جميع الاطراف في المجتمع للتصدي لمثل هذه التهديدات ومواجهتها للقضاء عليها والتمكن من فرض الحماية الكافية على النظم والبيانات وسيادة الأمان في العالم الرقمي.
تاريخ القرصنة الإلكترونية وكيف بدأت
يعتبر أمر القيام بتحديد فترة بعينها أو توقيت محدد لبدء أولى عمليات القرصنة من الأمور الغير ممكنة بأيّ حال من الأحوال. ولا سيما أن مصطلح القرصنة يعتبر من المفاهيم القديمة. ومن ثم لا يمكن اعتبار أنه يشير إلى القرصنة الحاسوبية أو قرصنة المواقع الإلكترونية. وإنما يرمي إلى السطو على أيّ جهاز في سبيل التمكن من بلوغ مساعي معينة فردية أو جماعية.
بداية ظهور أولى عمليات القرصنة إلى عام ١٩٠٣ تحديدًا لتتوالى العمليات فيما بعد ذلك حتى ارتقت إلى مستوى الصراعات والحروب الرقمية. حيث شهد عام ١٩٠٣ هجومًا على جهاز عالم الفيزياء “جون أمبروز فلمنج” الذي كان يعد لتقديم عرض حول اختراع التلغراف اللاسلكي لمسافات طويلة للعالم “جوليلمو ماركوني”بوصفه واحدًا من الابتكارات التكنولوجية المستحدثة وذلك في قاعة محاضرات فسيحة وشهيرة بدولة لندن حاشدة بالجماهير.
حيث جاءت المفاجأة على مشارف العرض عندما بدأ الجهاز يطلق رسالة مكونة من كلمة تحولت فيما بعد لقصيدة سخرية و تهكم تستهدف ماركوني وتتهمه بالخداع. وقد كانت هذه إشارة واضحة للتعرض إلى الاختراق وكان القرصان هو المخترع الساحر “نيفيل ماسكلين” معللًا موقفه بأن هدفه كان إزالة الغطاء عن واحدة من الثغرات الأمنية في محاولة لخدمة الصالح العام.
أمثلة على القرصنة الإلكترونية
عادة ما تتم غالبية الاختراقات عبر غرس برامج بعينها في أجهزة الضحايا وفي الغالب تستهدف مثل هذه البرامج القيام بشيء محدد. ولعلنا نذكر من بين الأمثلة على نماذج القرصنة الإلكترونية ما يلي:
١. الفيروسات
وهي برامج تمتلك قدرة بالغة على التكرار والتخفي كما أنها نمتاز بآثارها المدمرة التي تطال نظم تشغيل الحواسيب وتستطيع التداول من جهاز لآخر عبر تداول الملف المصاب.
٢ . الديدان
هو نوع من البرامج التي لديها قابلية للاستنساخ والانتقال عبر البريد الإلكتروني تلقائيًا في الغالب دون حاجة لتدخل من عنصر بشري. وهذا ما يجعلها من الأمثلة الأكثر خطورة وتتسبب الديدان في إبطاء نقل الملفات وتشغيل أنظمة الحاسب نتيجة الاستهلاك الكبير للذاكرة العشوائية.
٣. أحصنة طروادة
وهي من برامج التجسس التي تعمل على القيام بمهمة محددة يحددها مصممها أو القرصان الذي قام بغرسها في أجهزة الضحايا لبلوغ مناه.
وعادة ما توحي للمستخدم أنها تتضمن فائدة إلا أنها تكون على العكس التام من ذلك. وفي الغالب ما يصاحب ذلك البرامج والألعاب التي يستعملها غالبية المستخدمين دون التحقق من مصدرها. إلا أنها على عكس الديدان والفيروسات لا تكرر نفسها أو تنتقل بين الأجهزة والملفات ولكنها تتيح الفرصة لآخرين التحكم الكامل بأجهزة الضحايا عن بعد.
الأسباب الدافعة للقرصنة الإلكترونية
تختلف القرصنة الإلكترونية عن الاعتيادية من حيث الوسيلة والأهداف في بعض الأحيان. حيث تتنوع وتختلف أسباب ودوافع القرصنة الإلكترونية. فهي تتأرجح ما بين أهداف ذاتية وسياسية ومادية ومعنوية وانتقامية يتم الوصول إليها عن طريق التسلل الغير مصرح به إلى أنظمة وملفات الضحايا المستهدفة وفرض السيطرة الكاملة عليها والتحكم التام بها.
ولعلنا نذكر فيما يلي أهم أسباب ودوافع الابتزاز الإلكتروني:
١. الابتزاز المادي
قد تدفع الرغبة في تحقيق المنفعة المادية والكسب السريع وحصد مزيد من الأرباح دون بذل جهد أو تكبد عناء إلى القيام بتنفيذ عملية قرصنة إلكترونية. سواء عبر اختراق أنظمة شركات والتلاعب بمعلوماتها الحساسة والمساومة عليها أو أفراد يتم استخدام معلومات بطاقات الائتمان الخاصة بهم بطريقة غير مشروعة على سبيل المثال.
٢. الابتزاز السياسي
يعتبر الابتزاز لتلبية غرض سياسي هو من الأساليب المتبعة في مختلف البلدان لممارسة الضغط على الأشخاص ويتم إما ضد أشخاص أو ضد دول. حيث يقوم القراصنة بالتجسس على أنظمتهم وملفاتهم والتهديد بفضح معلومات سرية تضر بهم. وذلك من أجل التلاعب بقراراتهم حيال المواقف والقضايا المختلفة لتلبية أغراض ومطالب سياسية ملحة.
مما قد يتسبب في زعزعة الاستقرار وحدوث تدهور في الأوضاع السياسية والاجتماعية للأفراد والمجتمعات ويتطلب التدخل العاجل للحد من انتشار الظاهرة عبر التوعية والتثقيف ووضع التشريعات الصارمة من قبل الهيئات المختصة.
٣. الانتقام
في أحيان كثيرة يحرك القراصنة الإلكترونيين مشاعر الغضب والرغبة في الانتقام نتيجة أفعال حدثت في الماضي وتسببت في تملك الشعور بالظلم منهم بشكل أو بآخر، مما يؤدي إلى العمل على تنفيذ مخطط القرصنة.
٤. الشهرة والتفاخر
وفي بعض الأحيان قد يقود المخترقين إلى القيام بالقرصنة رغبة عارمة في الشعور بالإنجاز والتباهي على الآخرين بتحقيق أشياء صعبة وتخطي تحديات معقدة في سبيل التمكن من اختراق النظام. وقد يتبارى المخترقين ويتصارعون على هذا والتفاخر أمام بعضهم البعض واستعراض نجاحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
٥. اللهو والتسلية
مجموعة من المخترقين يميلون للسطو على الأنظمة على اعتبار ما يقومون به دعابة أو وسيلة للتسلية بأسرار وبيانات الآخرين والشعور بالمرح والمغامرة عند تمضية الوقت في التلاعب بأنظمة وحواسيب الآخرين وعادة ما يتم هذا الاختراق دون عواقب أو آثار سلبية تذكر.
٦. سبب أخلاقي (اكتشاف الثغرات الأمنية)
لا تعد كل محاولات ومخططات القرصنة الإلكترونية سلبية وضارة فهناك على صعيد آخر عمليات قرصنة إيجابية وأخلاقية تستهدف اختبار الثغرات الأمنية لتعزيز الأمان وتوفير أقصى قدر من الحماية للمستخدمين وذلك بناء على طلب مسبق وباتباع الأنظمة.
في النهاية، يمكن القول أنه قد شهد تاريخ ظاهرة القرصنة الإلكترونية تطورات مستمرة على مر العصور بداية بالقرصنة الإلكترونية بوصفها أحد الأنشطة الفردية الغير قانونية التي تستهدف الحصول على البيانات السرية أو إلحاق الأذى بالأفراد والمؤسسات.
ومع التطور التكنولوجي ومشروع الاعتماد على شبكة الإنترنت أصبحت عملية القرصنة منظمة أكثر وتتسم باحترافية مقارنة بذي قبل.
ومن الجدير بالذكر أيضًا أنه في ظل التطور الرقمي قد تنوّعت وتباينت دوافع عملية القرصنة من التهكير بمعناه السطحي الذي يعرفه المبتدئين إلى القرصنة المتقدمة للقراصنة المحنكين، والذي يرتبط بالجماعات الإجرامية ومؤسسات الدولية المتخصصة.
ويمكن القول أن دوافع القرصنة تتراوح بين اكتشاف الثغرات أو الانتقام، والثورة على الظلم أو الرغبة في الثراء السريع، أو التجسس بين الدول والخصوم أو الشهرة أو التسلية وما دون ذلك.
وهذا كله يفرض ضرورة التكاتف بين أفراد المجتمع والهيئات والجهات المتخصصة والتعاون الدولي أيضًا للعمل بشكل مشترك في مواجهة التهديدات الإلكترونية وتعزيز الأمن السيبراني.
تم التحديث في 30 أغسطس، 2024 بواسطة بصمة أمان للأمن السيبراني